الرئيسيةاخبار الاصلجريدة ” ملتقى الاصل ” : كلمة الشيخ موفق طريف بمناسبة عيد الاضحى المبارك
اخبار الاصل

جريدة ” ملتقى الاصل ” : كلمة الشيخ موفق طريف بمناسبة عيد الاضحى المبارك

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ها هو الأضحى يحلّ علينا ضيفًا، بعد سنةٍ على زيارته الأخيرة لربوعنا! يطلّ علينا بنسائم جمعه وبركته، ويسألنا عمّا صنعناه منذ زيارته الأخيرة، في سبيل تطهير النّفس وتحسين المجتمع.
كحالنا في كلّ عامٍ، نستقبل هذا الزّائر الكريم بعد أيّام العشر الفضيلة، هذه الأيّام الرّوحانيّة الّتي هي في الحقيقة فرصةٌ حقيقيّة لطرق باب الخلوات، وسبيلٌ لتجديد التّوبة والرّجوع إلى الله، بعد محاسبة للنّفس وتدقيق في الأعمال.
نستقبله، ونحنُ مستعدّين بكلّ ما أوتينا من فرحةٍ، لإحياء تراثنا المعروفيّ الأبديّ، في زيارات يتبادلها الأهل والمعارف فيما بينهم، دلالةَ محبّة واتّحاد ومشاركة، تعيدنا إلى تقاليدنا المتوارثة، والّتي هي منبعُ كلّ خير وعنوان كلّ فضلٍ وتقدّم.
كثيرٌ من النّاس يتساءلون عن فرحة العيد أين اختفت في هذا العصر، مستذكرين أيّام كنّا ننتظر حلوله بفارغ الصّبر، ونعدّ الأيّام لملاقاته يومًا بعد يوم! نعم، إنّها الحقيقة في زمنٍ أهملنا فيه، ولكلّ أسف، أسباب السّعادة البسيطة هذه، وصرنا نغضّ النّظر عن بسائط ما يجعل العيش هنيًّا، ونقضي العمرَ في بحث عن السّعادة الوهميّة، دون جدوى!
وفي الواقع، فالسّعادة الّتي يبحث الإنسان عنها، ويسافر من أجل إيجادها، هي في مبدأ الأمر مودوعةٌ فيه، مغروسةٌ في قلبه، ولا أكبر وأجلّ من سعادة المرء، حين يقف بعد بحثٍ على حقيقيّة من يكون، أو ما هو دوره الصّغير في هذا العالم الكبير!
السّعادة في الحقيقية هي أن نعود إلى ذواتنا ونتمسّك بهويّتنا المعروفيّة، تلك الّتي توارثناها أبًا عن جد، لتحمل معها تاريخنا العريق، وأسماء لشخصيّات وهامات كُتِب لها أن تصنعَ التّاريخَ، وتترك لنا تركةً أخلاقيّة عالية المستوى، نتعلّم منها، ونجعلها لنا بوصلةً لنكمل المسير.
وأيّ بوصلةٍ أكثر هدىً من عيد الأضحى، الّذي يذكّرنا بالواجب الأكبر الملقى على عاقتنا نحنُ البشر، ألا وهو التّضحية، الّتي هيّ أمّ الفضائل وأرقى الخصال، بين شيخ يضحّي بشهوات دنياه من أجل رضى ربّه، وبين دارسٍ يضحّي بشباب عمره من أجل التّعلّم وبناء الإنسان!
وكم تكتسب التّضحية هذا العام قيمةً وأهميَّةً، حين رأيناها تتجسّد مطلع هذا الشّهر على أرض الواقع وفي أول أيام العشر المباركة، عندما قام ابن قرية المغار، الشّاب حسام طريف، بالتبرّع بكبده للطّفل الأردنيّ مرسل ضياء البلعوس، لتتبعها حملة تبرّعات سخيّة، لا تزال مستمرّة حتّى هذا اللّحظات، يهبّ فيها أبناء الطّائفة المعروفيّة في البلاد، ساعين لتسديد تكاليف العمليّة الجراحية. كلّ هذا تضحيةً مباركةً منهم وبذلًا، من أجل إنقاذ حياة هذا الطّفل، وإعادة البسمة إلى حياته وحياة أهله وذويه بعونه تعالى.
نعم أيّها الإخوة، فلا تقدّم لمجتمع بلا تضحيةٍ، ولا دوام لطائفة دون تمسّك بالعادات، والرّجوع إلى الأصول، إلى جانب التّطوّر والحداثة، وتبنّي الحضارة الحقيقيّة الرّاقية، لا المزيّفة.
عليه، ومع حلول عيد الأضحى المبارك، ندعوكم لنجعله عيدًا نعودُ به إلى ذواتنا، وننير معه مشاعل قيمنا، الإنسانيّة منها والتّوحيديّة، وبذلك نكون قد نجحنا في أقدس مهمّة، وهي إعادةُ الصّبغة الحقيقيّة لهذا العيد، بعيدًا عن الزّخارف والمظاهر السّطحيّة عديمة القيمة، والّتي التصقت، بشكلٍ دخيلٍ وخاطئ، بعادات هذا العيد المبارك المقدّس.
في هذه المناسبة، نتوجّه إليكم جمعًا أيّها الأهل الكرام، وندعوكم لنعيد لهذا العيد نهجَه التّراثيّ المتوارث، في زيارات نحملُ معها المحبّة ونوزّعها بين البيوت، وفي طيّ لصفحات الماضي، وتصفية للقلوب من الضّغينة والمشاحنات والاختلاف في المواقف والأفكار، وامتناع عن استعمال العنف والمفرقعات، أو تغافل عن أوضاع عائلات كثيرةٍ فقدت عزيزًا ولم يُكتب لها هذا العام أن تفرح، لنحافظ بهذا على أواصر التّماسك والوحدة والأخوّة، كمجتمع واحدٍ متكاملٍ، تجمعه ذات الثّوابت الأخلاقيّة، وتميّزه نفس الهويّة المعروفيّة.
كذلك، فلا بدّ لنا في هذه المناسبة أن نتوجّه إلى إخواننا أبناء الطّائفة الدّرزيّة في دول العالم أجمع، مخصّين بمباركتنا وسلامنا، أهلنا في لبنان، سوريا والأردن، وسط مناشدتنا لهم بوحدة الكلمة، وقوّة الصّف، والتّلاحم بعيدًا عن الخلافات والتوتّرات، وذلك من أجل مصلحة الطّائفة وأبنائها، الّذين هم أمانةٌ نفيسة وضعها الله في أيدي من أوتوا المراكز والمسؤوليّات دينيًّا ودنيويًّا، يسألهم عنها يوم القيامة، ويحاسبهم في دقّ أسافين الشّقاق والخلاف بينهم.
فهلّموا بنا نعود لنحبّ ونتغاضى، ونوقن أنّ السّماح هو سلاحنا الأقوى. تعالوا نفتح قلوبنا لنتقبّل الآخرين رغم اختلافهم، ونسعى لنحارب من أجل حقّهم في العيش الكريم والتّعبير عن آرائهم، حتّى ولو اختلفنا معهم فكرًا وعارضناهم في المبادئ. هكذا فقط، يمكننا أن نعطي درسًا تاريخيًّا، لكلّ من يسأل عن طائفة بني معروف وأخلاق أهلها.
عليه، فإنّنا نعود ونكرّر في النّهاية دعواتنا لله تبارك وتعالى، بأن يعود هذا العيد علينا وعليكم، والجميع في صحّة وعافية وهدأة بال، مبتهلين إليه جلّ وعلا بانقشاع غمام الحروب والظّلم عن شرقنا الحبيب والعالم أجمع، ليحلّ من بعدها السّلام المنتظر، ويجتمع على المحبّة كلّ البشر.
عيد أضحى مبارك نرجوه لكم جميعًا، وزيارةً مقبولةً نرجوها لكم مع اقتراب الزّيارة السّنويّة لمقام سيّدنا سبلان عليه السّلام في حرفيش.
أضحاكم مبارك وكلّ عام وأنتم بألف خير!

أخوكم
الشّيخ موفق طريف
الرّئيس الرّوحي للطّائفة الدّرزيّة
رئيس المجلس الدّينيّ الدّرزيّ الأعلى

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *