الرئيسيةاخبار الاصلكلمة الشيخ موفق طريف بمناسبة الزيارة التقليديَّة السنويَّة
اخبار الاصل

كلمة الشيخ موفق طريف بمناسبة الزيارة التقليديَّة السنويَّة

لمناسبة الزيارة التقليديَّة السنويَّة لمقام سيدنا النبي شعيب عليه السلام
كلمة فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية.

بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله الدالّ بإعجاز خلقه على الهدى، السّابغ بنعمه طولَ الدّهر والمدى، والصّلاة والسّلام على من اختصّهم من الرّسل والأنبياء ذوي النبأ، الممطرين غيوث الحكمة بعدَ النّدى، والمبعوثين رحمةً ليجلوا عن القلوب مواقع الصّدى.
يطلّ علينا نيسان كما في كلّ عام، حاملًا معه بشارة اللّقاء، في الزّيارة السّنويّة لمقام نبيّ الله شعيب عليه السّلام في حطّين. هذه الزّيارة الّتي كانت ولا زالت وستبقى، نهجًا وسلكًا أخلاقيًّا وروحيًّا ورثناه عن مشايخنا من السّلف الصّالح.
ويسألونك عن شعيب، قل: رسول دعا للحقّ ونطق جهارًا بالصّدق. ويسألونك عن زيارة شعيب، قل: ملتقى القلوب الطّاهرة النّقية، ومجمع الإخوان ذوي النّفوس التّقيّة. يقدمونَ من كلّ حدب وصوب، من الجليلين والكرمل والجولان، كلٌّ يحمل زوّادته الرّوحيّة، قادمين إلى المقام الشّريف مبتهلين لله أن يعمّ السّلام ويخفّف أعباء الحروب عن كل البريّة.
إخواني، هذه الزّيارة هي فرصةٌ لنا جميعًا لكي نذكر ونتذكّر، رسالة نبيّنا شعيب الّتي دعا إليها وحملها إلينا من غابر الأزمان. هذه الرّسالة الّتي جعل عمادها الإخلاص وأركانها العدالة والمساواة والنّطق بالحقّ ولو شقّ السّبيل. وهنا يحضرنا ما ورد في كتب التّراجم ومراجع التّاريخ الدّينيّة منها والتّاريخيّة، أنّ اسم “شعيب” هو الاشتقاق اللّغوي لتصغير كلمة “شعب”.
إذا نظرنا وتفكّرنا وَتَمَعَنّا في هذه المعلومة وفي عمقها الروحي، علينا أن نقف خاشعين، خاضعين مُسَلِّمين أمام هذا النّبيّ الكريم وعظمته، فكأنّ الأخلاقيّات البشريّة للشّعوب مختصرة ومكنوزةٌ في هذه الشّخصيّة الفذّة، وفي أعمالها الّتي وضعت بصمةً تاريخيّة في السّجلّ الإنسانيّ. وهو ما يذكّرنا أيضًا بالواجب الملقى على عاتقنا، والّذي يحتّم علينا أن نكمل كشعبٍ درب نبيّنا شعيب، متّبعين خُطاه ومتأدّبين بأدبه وعلمه، وبإرثه الأخلاقيّ الكريم.
في مثل هذه الأيّام، والّتي تطلّ فيها الزّيارة بحلّة روحيّة متجدّدة، نتوجّه إلى كافّة إخواننا ومشايخنا وأهلنا من الطّائفة الدّرزيّة، من سوريا ولبنان والأردن والجاليات الدّرزيّة في كل مكان، نحييكم جميعًا من رحاب مقام نبيّ الله شعيب، باعثين إليكم مع نسماته القُدسيّة ألف سلام ودعوة. راجين من الله تعالى أن يعيد علينا هذا العيد سويّةً، لنكحّل أعيننا برؤيتكم في المقام الشّريف، الّذي هو في الحقيقة أمانةٌ وبيت روحيّ لكلّ درزيّ موحّد على وجه الأرض.

إخواني، نهيبُ بكم جميعًا وفي هذا الزّمان الصّعب العصيب، بالعودة إلى حاضرة الدّين، والتمسّك بالعادات والتّقاليد الّتي ورثناها وتوارثناها. هذه العادات الّتي هي في الأصل ميزةٌ وشعارٌ وهويّةٌ لا بدّ لكل إنسان أن يتبنّاها ويربّي الأجيال القادمة على اكتسابها والوقوف عندها وتأمّلها، لما فيها من رسائل إنسانيّة أخلاقيّة، تبشّر بجيل صاعد واعدٍ يحمل تاريخه في قلبه، ويمشي بخطى حثيثة واثقة نحو المستقبل، متحصّنًا بتراثه ودينه الّذي يحميه من العواصف الّتي قد تواجهه.

إخواني أبناء الطائفة في كل مكان:
في هذه المناسبة السارة، نتذكر إخواننا في سوريا الذين يواجهون خطرا جسيما على وجودهم وبقائهم، وعلى هويتهم التوحيدية، رغم أن حِدة الحرب هناك قد خفَّت، ونحن ثقة، أن الله سبحانه وتعالى، لن يخذلهم، وأنهُ سوف يبعث فيهم العزيمة والقوة والقدرة على الصبر والصمود للتغلب على الأزمات التي مرت بهم ولا زالت. علينا الدعاء لهم ومد يد العون ما استطعنا اليهِ سبيلا، ولا شك أن إيمانهم وإيماننا العميق بمقدساتنا وبطاقتنا المستمدة من التوحيد، وتاريخنا المجيد، سوف يكون فيها ما يدعم صمودهم وصمودنا وبقاءهم وبقاءنا واستمراريتنا معاً على النهج القويم دائماً. وأستغلها فرصة لأدعو كافة القيادات الدرزية السورية لوحدة الصف ووحدة الكلمة في كل ما يتعلق بمصالح الطائفة العليا والترفع عن النقاشات والأزمات الداخلية، خاصة في ظل المستجدات الأخيرة في المنطقة.
ومثل ما يقلقنا الوضع في سوريا الحبيبة، نتألم لأوضاع اخواننا واهلنا في لبنان، فما يحصل هناك مؤخرا، من نزاعات وخلافات، وتباعد في الأفكار، وزيغٌ في النوايا، يدعو الى القلق والحُزن والتخوّف مِن القادم. طائفة الموحدين الدروز في لبنان في أمس الحاجة لوحدة صف لدرء الخطر عن الكيان الدرزي. ليس بسرا أن قوىً خارجية وداخلية في لبنان تعمل على دق الاسافين بين أبناء الطائفة هناك مستغلة رواسب قديمة فعلى إخوتنا في لبنان تفويت الفرصة على تلك القوى لتبقى راية الطائفة في لبنان شامخة ومرفوعة. وعليه أتوجه الى كافة القيادات والزعامات الدينية والسياسية في الجبل التكاتف والتعاضد فيما بينهم وإيجاد حلول للازمات العابرة هناك لتفويت الفرصة على الأشرار الذين يسعون لتفريقنا واضعافنا من أجل تحقيق أطماعهم الدنيئة ولتعزيز الوجود الدرزي وحفظ كيانه وكرامته في ظل الأوضاع الراهنة. كرامة وشموخ دروز الجبل هي كرامة لكل درزي في العالم.

 

إخوتي في التوحيد والايمان:

تعالوا بنا في هذه الأيّام المباركة، نلتقي ونتوحّد على الكلمة الجامعة، متغاضين عن الاختلاف في الآراء والتّناقض في المواقف، مستذكرين أنّ الوحدة كانت وستظلّ حصن الشّعوب أمام كلّ شتاتٍ. تعالوا نبني لنا بيتًا نجعل أحجار أسسه من المحبّة، سقفه من المودّة، شبابيكه من أمل، وبابه من إخلاص في العمل.

هلمّوا بنا نجدّد الإيمان في نفوسنا، نسامح ونعفو ونغفر، متجاوزين عن الهفوات والأخطاء، وفاتحين قلوبنا أمام نور الإيمان الّذي ينتظر إشارةً للدّخول. هلمّوا نوحّد الصّفوف ونلتقي على المعروف يا بني معروف. نملأ عقولنا بعبق التّوحيد، ونقوّي العزائم والسّعي الحثيث وراء التّقدّم الّذي لا نفقد معه دينًا ولا تراثًا، وإنّما يخلّد رسالة ديننا التّوحيديّ ويعمل على نقلها جيلًا بعد جيل.
في النّهاية، نبتهل في هذه المناسبة المباركة إلى الله العليّ القدير، أن تُرفع ظلال الحروب عن شرقنا الأوسط والعالم أجمع، وأن يعمّ السّلام الّذي يتمنّاه كلّ ناظرٍ إلى هذا اللّيل القاتم الّذي يعمّ عالمنا. ندعوه تعالى أن يلهمنا ويعلّمنا كيف نحبّ ونتغاضى، وكيف نبني جسور التّواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان، لنفهم أنّ لا سلاح أقوى من الكلمة الطّيّبة، ولا جيش وعتاد أشدّ من القلب النّقيّ الوفيّ، الّذي يرى الخير ويتّبعه.
من رحاب مقام نبيّ الله شعيب ندعو أن يعيد الله علينا هذه الزّيارة في كلّ عام، والجميع في نعمةٍ وعافية كافية، ونسأله تعالى أن يلهمنا للخير ويرزقنا اتّباعه، سائرين على درب نبيّنا شعيب، معلّم الأنبياء وخطيبهم. إنّه السّامع لمن دعاه، والموفّق لمن أحسن نيّته وناجاه.
أعاد الله هذا العيد عليكم وعلينا بالخير واليُمن والبركات. عيدًا سعيدًا وزيارة مباركة ومقبولة.

أخوكم – موفّق طريف نيسان 2019

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *