الرئيسيةاخبار الاصلطبق النُحاس راح يحمينا، بقلم: شهربان معدي – يركا
اخبار الاصل

طبق النُحاس راح يحمينا، بقلم: شهربان معدي – يركا

برقية عاجلة لأستاذي؛ الشاعر والأديب وهيب نديم وهبة.
طبق النُحاس راح يحمينا..
بقلم: شهربان معدي 

“الأرض ..!؟ أغلى هبات الله، الأرض ما بخلت يومًا علينا ..
أطعمتنا جميعنا .. حتى أتى ذلك اليوم الذي ..؟ داهمتنا فيه الضباع ..”

“كانت الجدة مستغرقة في قراءة كتاب .. عندما ناداها حفيدها الصغير بصوتٍ خفيض:
– ستي .. ستي ..
– آه يا ستي ..
– تعالي نامي حدّي .. أنا خايف ..
– ليش خايف يا حبيبي؟
– أنا .. .. خايف يجولي الضباع ..
– أي ضباع يا ستي؟ ما في ضباع ولا أسود .. كلن ماتوا من زمان ..
– كلن ماتوا من زمان ..!؟
– آه يا روحي، كلن ماتوا .. من زمان .. زمان ..
– بس أنا خايف ..
– ليش خايف يا عيوني ..؟
– لأنه إمي بتقلي كل يوم ..؟ راح يوكلوك الضباع ..!
– إمك عم تضحك عليك يا حبيبي .. منشان تنام ..
– يعني فش ضباع؟
– لأ! فش ضباع ..
– طب شو يعني من زمان ..
– زمان .. يعني قبل سبعين عام .. ميت عام .. ألف عام .. ويمكن أكثر ..
– طب لوين راحو؟
– راحوا لبعيد .. بعيد ..
– وما عادو يرجعوا ..؟
– لأ ما عادوا يرجعوا ..
– ليه ..؟
– لأنهم أكلوا كل إشي .. وما ظلّ إشي ياكلو ..
– شو يعني أكلوا كل إشي ..!؟
– يعني أكلوا الأخضر واليابس ..
– شو يعني الأخضر واليابس ..؟
– يعني الحجر والشجر ..
– شو يعني الحجر والشجر ..؟
– الحجر والشجر .. يعني خوابي الزيت وغلال البيادر، وقفير النحل وجرار العسل وقن الجاجات .. وغيمات الشتا وحجارة الصّوان ..
والزعرور والبرقوق والزعتر البلدي، وزنود الفلاحين وعصاية المخضر وعصفورة الشوك والدبكة الشمالية والكحل الأسمر ..
وفنار عكا وشرفات حيفا وجدارية محمود درويش وأحلام سميح القاسم وخربة سلمان ناطور ..
ومشاعل الكلمات وسنابل الأبجدية ولغة الورد، وذاكرة التراب ومخيلة الريح وحكايا ستي ام حسين .. ووطن العصافير .. و
– واو .. يا ستي ..! قدروا ياكلوا كل هذا ..!؟
قاطعها الصغير وهو يفرك عينيه الدعجاوين، التي كحلها النعاس ..
سكت الجدة برهة، وأجابته بنبرة جديّة، مجبولة بالثقة والكبرياء:
– آه يا ستي قدروا ياكلوا كل هذا .. إلا ..!؟ طبق النُحاس ما قدرو ياكلوه ..
– ليش ما قدروا ياكلوه يا ستي ..!؟
– لأنه قوي كثير .. كثير ..
– طب شو يعني طبق النحاس ..!؟
– بس تكبر بتعرف يا حبيبي ..
– وإذا رجعوا ..؟
أغلقت الجدة، كتابها برفق؛ ووضعته جانبًا ..
احتضنت الصغير ومسدت شعره الناعم ..
وهدهدت بصوت حنون رخيم:
– نام يا قلبي .. نام … وما تخاف .. إذا رجعوا ..؟ طبق النُحاس راح يحمينا ..
انكمش الصغير في حضن جدته الدافئ، وغفا على زنديها، بأمان وسلام ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *