الرئيسيةاخبار الاصلخطبة إصلاح ذات البين، بقلم: الشيخ مجدي قبلان.
اخبار الاصل

خطبة إصلاح ذات البين، بقلم: الشيخ مجدي قبلان.


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين والصلاة ُ والسّلامُ على سيّدِ المرسلين وآلهِ وصحبه ِ والتابعين ,نعوذ ُ بالله من شرور أنفسِنا ومن سيّئاتِ أعمالِنا ,من يهدِ الله فلا مضلَ له ,ومن يضللِ الله فلا هاديَ له.

قال تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” ,الحجرات: 10, وعزّ من قائل: “لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا” ,النساء: 114, صدق الله العظيم.

إصلاح ذات البين بمعناه الشامل على مستوى الأفراد والأسرة والمجتمع ,هو من العبادات الجليلة ,التي وللأسف رغب عنها الكثير من الناس ،مع ما فيها من الأجر الجزيل والخير العميم ؛ فإن من مقاصد التوحيد ,تحقيق المودّة والألفة بين الناس, والنهي عن الاختلاف والتباعد وقد أخبر النبي صلعم ان إصلاح ذات البين أعلى درجة من الصلاة والصيام والصدقة بقوله: ” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا بلا يا رسول الله، قال : إصلاح ذات البين ,وفساد ذات البين الحالقة ,(لا أقول الحالقة التي تحلق الشعر ,ولكن تحلق الدّين)”.

وقال السّيّد المسيح عليه السلام :” وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ.”(متى 5: 24). وقال ايضا “حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: “يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟” قَالَ لَهُ يَسُوعُ: “لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ”.(متى 18: 21-22).
ما أحوجنا في هذه الفترة الزمنية إلى تفعيل هذا الخلق العظيم في مجتمعنا ,نابذين كل النعرات الإضطهادية بكافة مستوياتها ,وأعظم دليل على ذلك ,ما يشهد به شرقنا الغالي ,من فتن ,وحروبات ,حوّلت حياة الملايين بعد الأمن والإستقرار إلى الخوف والدمار ,فالتنازع مفسد للبيوت والأسر,مهلك للشعوب والأمم ,سفاك للدماء ,ومبدّد للثّروات, ومكيدة الشيطان فوجب علينا تجنّبه .
إن كل العلاقات الإنسانية سواء كانت بين الزوج وزوجته ,أو بين الآباء والأبناء أو بين الأصدقاء أو بين الزملاء في العمل أو بين الناس من مختلف الأعراق والأجناس أو بين الأمم والديانات لا بد وأن تمر بها أوقات عصيبة، وتمر بتوتر من أي نوع كان، والتوتر الذي لا يُحلّ يؤدي إلى الصراع وإلى العنف الذي يتولد عن تفشي الظلم.
إن اصلاح ذات البين محبط لنزغات الشيطان في الإيقاع بين الناس, وسبب للاعتصام بحبل الله تعالى ,ومقوي اواصر المحبة بين الأفراد والأسر وجميع مكونات المجتمع وبالتالي مجتمع متعاون كالبنيان المتراصّ ,محافظ على عاداته وتقاليده ونفسه وأمنه.
أيّها الإخوة الكرام …
جاء قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
ابْدَأْ بنفسك فانْهها عن غيِّها …. فإن انتهت عنه فأنت حكيمُ
لا تنْهَ عن خلقٍ وتأتِىَ مِثْلَهُ …. عَار عليك إذا فعلتَ عظيمُ .
إن مسؤولية إصلاح المجتمع لا يمكن تحقيقه الا من خلال صلاح الاسرة ,وصلاح الاسرة يتحقق بصلاح الفرد ,غير أن اهم شيء في عملية الإصلاح لهذا الفرد الذي تتكون منه الاسرة ,فالمجتمع -هو قلب هذا الفرد ومن هنا نكمل السلسلة بأن صلاح الفرد لا يتحقق الا بصلاح قلبه وما بداخله ,والطريق إلى ذلك لا تتمّ إلّا بتقوى الله تعالى قال عز وجل : “فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” ,الأنفال: 1 . وقال جيم كويك Jim Kwik :” عندما ُتكسر بيضه بقوة خارجية فإن هناك حياة إنتهت.. أما إن كسرت بقوة داخلية فإن هناك حياة قد بدأت، تذكر بأن الأشياء العظيمة دائماً تبدأ من الداخل ” ,وتقع على عاتق كل فرد منّا ,على قدر طاقته ووسعه والتعاون مع غيره لتحقيق هذا المطلب الجزل, فما أجمل أن نعيش مفاهيم لغة المحبة والإخاء والوحدة والحوار ,بدلاً من لغة السلاح والاقتتال , وحري بنا أن تكون الكلمة واحدة ,والمحبة مجتمعة, هذا الأمر ربما كان مقلقاً للبعض ممن لم يكتب لهم التوفيق في إصلاح أنفسهم , فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه. ولله در من قال :
إن المكــارم كلها لو حصــلت …. رجـــعت جمــــلتها إلى شـيئين
تعظيم أمـر الله – جـل جـلاله …. والسعي في إصلاح ذات البيـن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *