الرئيسيةاخبار الاصلأضواء استعراضية على سمائية البوعزيزي للأديب سعيد نفاع بقلم مسعد خلد
اخبار الاصل

أضواء استعراضية على سمائية البوعزيزي للأديب سعيد نفاع بقلم مسعد خلد

   طارق الطيب محمد البوعزيزي ولد عام 1984-2010 وهو شاب تونسي قام يوم الجمعة 17 كانون الأول بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية التي صفعته أمام الملأ وقالت له: (بالفرنسية: Dégage) أي ارحل (فأصبحت هذه الكلمة شعار الثورة للإطاحة بالرئيس وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة). أدى ذلك لانتفاضة شعبية وثورة دامت قرابة الشهر أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، أما محمد البوعزيزي فقد توفي بعد 18 يوماً من إشعاله النار في جسده. أضرم على الأقل 50 مواطناً عربياً النار في أنفسهم لأسباب اجتماعية متشابهة تقليدا لاحتجاج البوعزيزي. أقيم تمثال تذكاري تخليداً له في العاصمة الفرنسية باريس. واذا عدنا تاريخيا الى الوراء لنتذكر سيرة أبي القاسم الشابي المولود عام 1909- 1934 في مدينة توزر في تونس. وعبّر الشابي أجمل تعبير عن أنوار تونس والمغرب العربي ليكون الجسر بين الغرب والشرق والذي ظل مدافعا عن الثغور ولم يمح رغم الداء والأعداء كما يقول الشابي، ولعل من أروع ما يربط بين البوعزيزي والشابي والنفاعي سعيد،هو ما نظمه شاعرنا ابو القاسم الشابي قبل أن يغدر به فؤاده العاجز:
إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة فلا بـــد أن يستجيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر
ومن لم يعانقــه شــوق الحيــاة تبخــر فــي جوهــا واندثـــر
كـــذلك قالــت لــي الكائنــات وحدثنـــي روحهــا المستتـــر
ودمدمت الريح بين الفجاج وفــوق الجبــال وتحــت الشجـــر:
إذا ما طمحت إلى غايـــة ركبــت المنـــى ونســيت الحـــذر
ومن لا يحب صعود الجبــال يعش أبــد الدهــر بيــن الحفــــر
   هذه المقدمة للتعريف بأجواء (محكمة سيدي بوزيد) والتي تجري مداولاتها في أروقة سمائية، تحت أجنحة بنات خيال ابداعي، حيث ينقلنا الكاتب في سفر آخريّ الى عالم غير مرئي لنشهد حساب  روح الشهيد البوعزيزي وهي تدافع عن موقفها بين يدي حضرة (قاضي القضاة) بعد أن عجز ممثلو أهل الجنة وممثلو أهل النار من التوصل الى قرار، هل هو انتحار أم استشهاد لغاية رفع ظلم وضعي لا يطاق؟  وبعدما يخلص قاضي القضاة الى أن روح محمد البوعزيزي مثواها الجنّة، راح يطلب الهداية من (سيد القضاة) (وجاءته لأنه استاهلها وليس قبل أن تسأله تذكيرا:- أليس هذا من أحفاد أبي القاسم الشابي؟) بهذه الفكرة اللامعة يعبر الكاتب سعيد نفاع عن تأثره العميق بأبطال قصته التاريوقتية التـُرأدبية ويعلنها مدوية بأن روح محمد بوعزيزي (دخلت الجنّة من أوسع أبوابها، وتأكد أهل تونس من ذلك وتأكدوا من قبول تضرعهم حينما استفاقت في ثناياهم جارية في عروقهم إرادة الحياة).
   “سمائية البوعزيزي” مجموعة قصص قصيرة وحكايا (آذار 2014) وقد أطلق الكاتب على المجموعة عنوان “ناصية القصص” فيها، القصة الأولى : محكمة سيدي بوزيد (سمائية البوعزيزي)، وهي المؤلف الثامن للكاتب تقع في 116 صفحة وتضم 12 قصة قصيرة وحكاية، منها (التشذوب) والتي توثق للقارئء قصة اختيار الكاتب لمهنة المحاماة رغم دمغ هذه المهنة بوصمة من كذب، ثم قصة (بئر الخشب) والتي تدور احداثها في منطقة شعب وديانها وآبارها، جبالها ومواقعها (جبل الجلّون، وادي الشيخ، بئر الشيخ، وادي عبيب، مغارة الجن…) ويصف بعض أحداث الثمانية وأربعين “كانت قطعان ذياب مْسمنِه طبّت على نْعاج مْخورِه رِعيانها وْلاد حرام..”. أما قصة (أبو الذقن “الحتحيتِه”) ص 36 فهي من ضمن الأحداث المحلية في قرية الكاتب والتي دارت في فترة ثورة الثلاثينيات ضد الانجليز وحكمهم الجائر خاصة باستعانتهم بشخصيات محلية متعاونة معهم وأشد ظلما ومضاضة (.. بعد “المحاضرة” التي ألقاها الضابط الانجليزي في أهل القرية… تركهم بعهدة الضابط إيراني وشاويشه صبّاح…)وهؤلاء القساة ضربوا بعرض الحائط جميع المواثيق والكرامات والعادات، مما أدى الى فقدان مصداقيتهم بين الأهلين ليثوروا ويقضوا عليهم (لكن الذي لفت نظر أهل القرية وعوضهم بعض الشيء ذلك الخبر…) ثم تأتي قصة (أفروديت لم تسحق روحي) ص 43 حيث يتلاعب الكاتب بحبكته الذكية ليوصل القاريء الى فكرة المزج بين الاساطير الخيالية وبين الواقع الاليم الذي نعيشه (وأنا أجول في الاولمب وأفروديت لاهية عني بهواياتها الطفولية، سمعت بكاء مريرا شدني مصدره وإذ بي أمام حشد ضخم ميّزت فيه خالدا والداخل وصلاح الدين والمختار والأطرش …)!
وأفروديت كما وصفها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري:
وانبَرتْ ” أفروديتُ ” تُوحي إلى ” جالا ”
بحُسْنِ الذي تخبَّأ عنها !
هو في الشكلِ : مِثلُ قوقَعةِ الماءِ
وفي الحُسْنِ زَهْرةُ الجُلنَّارِ!!
مُلِئتْ زُبْدَةً ، وشَهْداً ، وعطرا هو كالكَهْفِ دافئاً ، !!
كالمغارِ !
أفروديت في الأساطير اليونانية هي إلهة الحب والشهوة والجمال، والبغاء والتكاثر الجنسي. على الرغم من أنه يشار إليها في الثقافة الحديثة باسم “إلهة الحب”، فهي في الحقيقة لا تقصد الحب بالمعنى الرومانسي، بل المقصود هو إيروس (الحب الجسدي أو الجنسي). اسمها لدى الرومان فينوس. الأسطورة تقول أنها ولدت في قبرص بعد أن قام كورنس بقطع العضو التناسلي ليورنس فسقط مع الدم والمني في البحر فتكونت رغوة (APHRO)، وتكونت أفروديت من كامل الرغوة. وظهرت داخل صدفة في البحر كاللؤلؤ وكانت في غايه الجمال وعارية الجسد لتظهر جمالها ومن هنا اتخذت الصدفة رمزا لها.
   تشمل المجموعة قصصا أخرى: الجمل ص 49 ، مشمشتنا الشاميّة (قصة من وحي حزيران) ص 54، الخطيب ص 62 . كذلك تضم المجموعة رباعية قصص من الدفاتر القديمة: الدراجة الحمراء ص 69، جاي يا غلمان جاي ص 79 ويهديها الكاتب (الى عرب النقب وكل “الأغراب”) لتشابه الاحداث المصادراتية والمجريات النهبية والمسميات الحججية في المناطق المعينة المختلفة شمالا او وسطا فجنوبا، كيف صار أخي علي رجلا؟ ص92، لعنة أهل البلد تحط على حمار محمد الفارس حتى الممات ص 102.
  أخيرا أشكر الصديق سعيد نفاع على هديته لي نسخة من مجموعته العذبة مضمونا، الراقية اسلوبا بسهلها الممتنع وتنوعها المجتمِع!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *