
بقلم: د. أمير خنيفس
مركز الدراسات الدرزية
مقالة خاصة لصحيفة الأصل

تعيش المرأة الدرزية في البلاد حالة من التناقضات لا تحسد عليها، فهي تضعها في دوامة مستمرة وتساؤلات عديدة حول كيفية التعامل مع القضايا اليومية التي تواجهها، وتحديداً في كيفية التوفيق بين العادات التقليدية والأعراف الاجتماعية وقرارات المؤسسات الدينية الرسمية الصارمة اتجاهها من جهة، وبين متطلبات العصر ومحاولتها القيام بواجباتها اتجاه عائلتها بأسلوب يلائم التطور الحضاري والاقتصادي بشكل مناسب من جهة أخرى.
تحديد مكانة المرأة الدرزية في البلاد يشغل الكثير من النساء والرجال وعددًا ليس بقليل من الأطر الاجتماعية الفعالة على المستوى المحلي في السنوات الأخيرة، بل كان هذا الموضوع عنوان لندوات ثقافية ولقاءات نسائية مع قيادات دينية في عدة قرى وأماكن مقدسة، آخرها كما علمنا من شبكات التواصل الاجتماعية في بيت السيد صالح عامر أبو دهود في جولس بحضور شخصيات ومشايخ محترمة ومثقفة لها احترامها ومكانتها عند طبقات واسعة من أبناء الطائفة من بينهم كل من الشيخ فايز عزام، الشيخ حسين لبيب أبو ركن ، الشيخ نمر نمر، الشيخ زيدان عطشة والشيخ سليمان خطيب.
موضوع تحديد مكانة المرأة في البلاد يعتبر من أكثر المواضيع الشائكة، ولا تزال الفوارق في الآراء بين القوى الاجتماعية المتنازعة متباينة إلى درجة حادة ما يعلل تعليق الموضوع من قبل القيادات المسؤولة دون اتخاذ قرارات واضحة في الموضوع وذلك بالرغم من انعقاد العديد من القاءات والاجتماعات حول موضوع مكانة المرأة، ولكننا حتى الآن لم نتقدم ولو بخطوة واحدة إلى الأمام ولم نفهم المنطق من وراء أي قرار صدر عنها.

اجتماع لوجهاء الطائفة في بيت السيد أبو دهود صالح عامر في جولس
من أجل التقدم في موضوع مكانة المرأة الدرزية يجب التعامل مع الموضوع بخطوات مدروسة والأخذ بالحسبان الادعاءات المعلنة من قبل الأطر الدينية والجماهيرية الفعالة في مجتمعنا بما فيها النسائية، الدينية – المحافظة والليبرالية خاصة إذا كانت الغاية الحقيقية هي الحفاظ على الكيان الطائفي كمجموعة دينية وثقافية متلاحمة، فنجد القواسم المشتركة والحلول المناسبة التي تتيح للجميع العيش معها بسلام وعدم الوصول أنشقاق وإلى حالة لا عودة كما حدث عند أبناء الطائفة في لبنان.
بداية علينا الاستماع للأصوات النسائية المنادية بتحسين مكانة المرأة داخل المجتمع، ولطالباتهم الملحّة وعلى رأسها السماح لهن بقيادة السيارة ومنحهن فرصة التعليم في المعاهد الدراسية العليا. الادعاء المركزي لهؤلاء النساء هو أنه يحق لهن ما يحق لغيرهن من الرجال، وأن تحسين مكانتهن الاقتصادية والثقافية والعليمة سيعود على المجتمع وعلى الأجيال الصاعدة بالخير والتقدم. هنا علينا أن نتذكر بان هذه الأصوات صادرة عن خيرة نساء مجتمعنا وهن أنفسهن اللواتي يحترمن الأعراف الاجتماعية ويرين بالانتماء الطائفي مصدر فخر واعتزاز، وإلا فكيف يمكن تعليل اهتمامهن بموقف النصف الآخر من أبناء الطائفة اتجاههن في ظل الحرية الفردية التي يمنحها القانون المدني الإسرائيلي.
من الخطأ أيضاً أن تجاهل الأصوات الدينية-المحافظة بيننا وعدم تفهم مخاوفهم من تغييرات جذرية في مكانة المرأة في ظل انفتاح غير مضبوط وغير طبيعي لنهج حياة عصري وأبعاده على المركبات الثقافية عند المجموعة كما حدث في هضبة الجولان والانحلال الأخلاقي الذي نشهده في السنوات الأخيرة على أثر تصادمهم مع المجتمع الإسرائيلي. حدة مثل هذه المخاوف تزداد في ظل غياب مؤسسة حكومية أو وزارة تربية تهتم في تقوية الانتماء الطائفي عند المجموعة وفي ظل الخذلان المستمر من مدى اهتمام النخبة المثقفة لهذا الانتماء.
ادعاءات القوى الليبرالية المنادية لاتخاذ خطوات فعلية من أجل رفع مكانة المرأة داخل المجتمع لا تقل أهمية ويجب أخذها بعين الاعتبار أيضاً وتحديداً موقفهم العادل حول ما يحق للنصف الأول يحق للنصف الثاني، خاصة وأن جزءًا كبيرًا من النصف الثاني يكاد يكون متحررًا من جميع الأعراف ولا يخضع لأي التزامات. ادعاء آخر لا يقل أهمية في حقيقية بأن إهمال مكانة المرأة وعدم تعزيزها في المجتمع سيزيدان من حدة الفجوات بين أبناء الطائفة الواحدة ما سيعود بالضرر على المجموعة وتفقيرها بدلا من النهوض بها والسعي بها قدماً خاصة وأن متطلبات الحياة العصرية تتطلب نهجًا حياتيًّا أكثر مرونة وإلا فسنجد أغلبية نسائنا عاملات نظافة بدلا من صاحبات وظائف رسمية.

واضح إذا بأن التعامل مع موضوع مكانة المرأة الدرزية أمر شائك ولكل من القوى الفعالة يجود الوجه القوي والوجه الضعيف بادعاءاته، في حين عدم التقدم في هذا الموضوع لا يمكن أن يكون الحل خاصة إذا كنا نريد أن نبقى كما ذكرت مجموعة دينية وثقافية متلاحمة. التقدم في هذا الموضوع سيثبت لنا أولا ومن ثم للآخرين بأننا مجموعة لها قيادة دينية وسياسية حكيمة تستطيع التعامل مع قضاياها المهمة بشكل واعٍ وناضج دون الحاجة للمربي الأعلى أو السلطة لكي نتدبر أمورنا.
حقيقية أن المجموعة النسائية داخل الطائفة منقسمة بين متدينات ومحافظات وغير محافظات من المفروض أن تسهل مهمة التقدم في هذا الموضوع وعليه فإن اقتراحي بأن يتم الإعلان عن إمكانية السواقة للنساء المحافظات والمتدينات داخل قراهن، وأن يسمح لهن الالتحاق بالبرامج التعليمية الأكاديمية التي افتتحت لهن خصيصا من أجل التقدم العلمي كالبرنامج الأكاديمي الذي افتتحته الدكتورة ربيعة بصيص خصيصاً للنساء المحافظات والمتدينات في كلية غوردون. هذه الخطوات قد تبدو صغيرة للقوى النسائية الفعالة وبل سخيفة لبعض القوى الليبرالية ولغير المحافظات ولكنها كبيرة بل قاسية عند بعض القوى الدينية، في حين علينا أن نتذكر بأن مهمتنا الأولى السعي قدماً دون قطع الجسور بين أبناء العائلة الواحدة.